نظراً إلى ما يشهده العالم اليوم من أزمات وتوترات، فإنه لا بدَّ من فرض السعي الجماعي إلى تعزيز السلام العالمي والحفاظ عليه. وتنطلق أهمية هذا الموضوع الحيوي من كونه تفاعلاً إيجابيّاً مع واقع تظهر فيه الحاجة إلى عالميَّة السلام بصفته رافداً للسلم، ومعززاً للحقوق والواجبات والفضائل والقيم، وحافزاً على التعايش والتضامن، ما يستدعي مزيداً من البحث عن الإمكانيات التي يتيحها السلام العالمي في السياقات المجتمعية والحضارية، مع تشخيص التحديات الكبرى التي تواجهه في الوقت الراهن، ولا سيما تحديات الأمن والصحة والغذاء والبيئة، ودراسة العقبات التي تعترضه، وتحول دون تحقيقه في العالم، بهدف الخروج بتوصيات ملهمة، من أهمها تبني نهج السلام لتحقيق التغيير الإيجابي، والإسهام في بناء عالم متفاهم ومتكامل، فالسلام لا يعني غياب النزاعات فقط، بل هو قيمة عالمية تتجاوز الحدود الثقافية والجغرافية، وتشمل مفاهيم تؤثر إيجاباً في المجتمعات، وتُحدِث تغييراً حقيقياً فيها، منها التفاهم والاحترام المتبادل بين الأفراد والجماعات في العالم أجمع.
ولا شكَّ أن إرساء فكرة عالميَّة السلام عامل جوهري لتحقيق التحولات المجتمعية، وبناء مستقبل يقوم على التنمية والعدالة والازدهار، وهذا ما أثبتته دولة الإمارات العربية المتحدة قيادةً وحكومةً وشعباً، إذ انطلقت من ثوابت راسخة مبنية على أسس الاحترام والتبادل والتعاون مع الآخرين.
وتؤمن دولة الإمارات ببناء الإنسان والإنسانية، ولهذا حرصت على انسجام نسيجها المجتمعي وتناغمه، وسعت منذ تأسيسها - ولا تزال تسعى - إلى تأدية دور إيجابي في الساحة الدولية بإطلاق مجموعة من المبادرات الإنسانية والمشروعات في مناطق النزاع والكوارث، بهدف تخفيف معاناة الأفراد، فضلاً عن الجهود الدبلوماسية التي تبذلها لحل النزاعات، وجهود الوساطة بين الدول، وتبني نهج متوازن في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية، ما يجعلها لاعباً رئيسيّاً في مساعي السلام العالمي، وتعزيز استقرار المجتمعات الأخرى.
وإضافةً إلى ذلك لا بدَّ من الإشارة إلى المبادرات المحلية، ومنها البرنامج الوطني للتسامح الذي يعكس التزام دولة الإمارات توفيرَ بيئة تعيش فيها جميع الثقافات بسلام، إذ يمثل البرنامج إطاراً مهماً لتعزيز التفاهم والتعايش السلمي في المجتمع الإماراتي، ويعتمد على سبعة أسس رئيسية هي: الدين الإسلامي، ودستور الإمارات، وإرث زايد والأخلاق الإماراتية، والمواثيق الدولية، والآثار والتاريخ، والفطرة الإنسانية، والقيم المشتركة.
وهذه الجهود استثمار لنشر عالمية السلام، ودعوة إلى التعاون على الخير، والإسهام الإيجابي في بناء عالم أفضل لجميع البشر، وهذا ما تؤكده تعاليم الإسلام السمحة، وفقه التعايش والشراكات الحضارية، ذلك أن تعزيز التفاهم الثقافي، والتعليم، والمشاركة المجتمعية، والقيادة الأخلاقية، والتعاون الدولي، والفنون، وغيرها تجعل المجتمعات أكثر سعادة واستقراراً، ما يتطلب تعاوناً فعَّالاً بين قادة الدول لتحقيق رؤية مشتركة قائمة على تبادل الخبرات، وتطوير السياسات التي تدعم السلم والأمن الدوليين، مع ضرورة تواصل الجهود والتنسيق لتحقيق نتائج ملموسة ترسخ عالمية السلام، وتسهم إيجاباً في معالجة القضايا المعقدة التي تواجه العالم اليوم.
د. نورة الكربي
أكاديمية ورئيسة قسم العلاقات المجتمعية للبحث العلمي بجامعة الشارقة